جاد الاسعد يكتب: مطر دفعة واحِدة
مطَر دفعةٌ واحِدة
عندما اشعر بالبرد اذهب الى " وسط البلد "
كي أمارس هوايتي المعتادة : المشي بمحاذاة الرصيف ، اشعر أن الأرصفة لم ترسم لنمارس مسألة المشي عليها - مكرهين - لكنها رسمت لنركن إليها ذاتنا وبعضاً مما نمتلك من ذكريات
على الشارع حيث امشي غريباً وشاذاً عن البقية كلّ يمشي على قطعة رصيف خاصةٍ به الا انا أحاول أن أقحم نفسي في جدلية " ممكن اندعس ؟" او لا
لا ارى وجوه ولا اشخاص ولا نساء قديمة ولاباعة متجولون او محلات تعرض ملابس داخلية بكل الالوان ، كل ما اره هو لهاث بارد يخرج من مؤخرة السيارات والسرافيس المارّة
ويأتي " الدحدح " بكل مايحمله من ذكريات وشتاء دفعة واحدة
من يعرف الدحدح ؟
هو اكثر مايصبو اليه طفل في عمري ، ما ان اصل الى اعتاب المسجد الحسيني حتى يأتي لاستقبالي
ابحث عن " كمشة " فستق من صديقي العتيق " ابو احمد النيجيري "
في شارع الملك فيصل اضعها في جيبي هناك حيث يقف ومازال -حتى ولو انه الان في احدى مستشفيات عمّان- ذلك لأنه لم يمشِ على الرصيف اطلاقاً !
الله لو انها تأتي الان محملة بالدحدح ملفوفاً بقطعة ورقية او حتى جريدة قديمة او بطرف شالها
لو انها تأتي كي نتقاسم هذه المتعة في اكل الفستق والمشي على الشارع بعيداً عن ضجّة الارصفة
سأحدثها عن كل شيء مرّ في حياتي مصادفة وسأهمس لها : ان البرد شديد هذه اللحظة ضعي مقداراً من الدفء في جيبي
غطّي ماتبقى من مساحات مكشوفة في قلبي بطرف معطفك القديم كي اشعر بالحنين ولو للحظة الى اي مخيم تربطني به علاقة الاصدقاء
اذكر انه في يوم من الايام كان صديقي الصغير يبيع " المعمول " حبة كانت كافية بأن تترك طعمها يكبر في فمي منذ الطفولة .
قال لي لحظتها : اعرفك انت الذي تحبث عن الدحدح في كل زقاق بالبلد " مين ازكى " قطعتي ام الدحدح كنت سأقول له " هي ازكى " ولكنّي اكتفيت بالابتسامة واكملت طريقي
المطر يهطل الان اين اجد معطفاً يقيني من حرّ الشتاء ؟
مطر دفعة واحدة قطرة قطرة تدلف عليّ ، واحتمي بكتاب قديم " لمحمود درويش " كانت قد اهدتني اياه في وقت ما كي يشعرني بدفء تلك اللحظة
كان يتزامن مع وقت قيل لي فيما :بأنني جئت من خلاله الى هذه الدنيا تحديداً " دوار الداخلية " قرب سرافيس جبل الحسين – البلد!
منذ تلك اللحظة وانا ابحث عن شيء ضاع منّي لحظة تُركت هناك واستقليت " سرفيس " الى البلد / كان الوقت ليلاً لذلك احببت الدحدح. !
اللحظات احياناً تترك فيك دفء حتى بعد ان تنتهي ويحتّل عشّاقٌ اخرون مساحتك في مقهى قديم اعتدت الحزن فيه
هل تعرق الكتب ؟
لم اجد صديقي ابا احمد في تلك اللحظة تخيلت ان اجده جالساً على كرسيه "البلاستيك " وتركت لي حجّة انه يغفو في احد المحلات المجاورة له منذ عشرين شتاءا ً كي لايتبلل من المطر ، مثله لايبتّل وحدها السنين كفيلة بأن تبلل ذكرياته .
قالوا لي لا تمشي على الشارع امشي على الرصيف هناك قطعة من الرصيف بحاجة ان تمارس عليها حزنك !
لم اكترث لهم ولم اعرهم اي اهتمام ، هنالك قطعة واحِدة قطعة من الدحدح بيدي تكفي بأن امارس عليها طفولتي دفعة واحدة .
حين امشي قليلاً في البلد بأتجاه " سرافيس " اللويبدة اشعر بأن كل المحلات والبسطات هناك تتبعني تصيح بأسم ليس لي وبحبيبة ايضاً ليست لي
تذكّرني بما نسيت او ما سأنسى لاحقاً
هي حنونة كحبّة الفستق باهضة الفقر كشارع صغير
تختفي الوجوه في تلك اللحظة
انها تمطر وبغزارة سأحتمي بذراع احدى البيوت القديمة سأقف تحت مأذنة كي تقيني المطر
انها تمطر الان دفعة واحدة
ولا اعير اي شيء اهتمام ، سأجدها يوماً تحمل لي الدحدح ، تقف على طرف الرصيف المقابل عند كشك يبيع الحزن القديم في شتاء اخر . .
jad.h.alasaad@gmail.com
جاد الاسعد/ عمّان شتاء
____
نشرت في مجلة اللويبدة
http://www.jorday.net/news/126/ARTICLE/12292/2009-11-16.html
0 التعليقات:
إرسال تعليق